كتبت- شيماء عزت :
ما أن تخطو قدمك إلى منطقة سور الأزبكية بخطوات قليلة تفصلُك عن مترو
الأنفاق، حتى تجد نفسك وسط أجواء الماضي العريق..كتب ومجلاتٌ وجرائدَ قديمة تراصت
فوق بعضها البعض تلفت الأنظار بثوبها الأصفر العتيق، وخلفها وجوهاً مرت عليها
العقود، ثقفت ذاتها بذاتها تسرد لنا ما عاصروه طوال حياتهم في بيع الكتب القديمة
وشراءها.
عم "يحيي"، أقدم بائع فى الأزبكية، يحكي كواليــس
المهنة وأسرارها، إذ يعرف في المنطقة وكل رواده باسم عـم "يحيي الشاعر"،
فالرجل ورث المهنة أباً عن جد، وأسرته من أوائل الأسر التي عاشت في المنطقة.
"الشاعر"، عمل منذ صغره مع والده فشاهد المؤلفين والأدباء
الكبار أمثال أنيس منصور وصنع الله إبراهيم ونجيب محفوظ، معللا ذلك بأنه كان سببا
في توليد الشغف والرغبة لديه فى بيع المجلات والجرائد والكتب القديمة لأكثر من
ثمانين عاماً، إذ نشأ في بيئة تحفها الثقافات المختلفة، وفتح عينيه على الإطلاع
والمعرفة، وكأي شاب انهمك فى دراسته وعمله بعد ذلك، لكن حبه لمهنته الأساسية كان
يزداد يوماً بعد يوم.
"الثقافة مختلطة بدماء الشعب المصري"، عبارة ترددت على
لسان "الشاعر"، قائلا: "هواة القراءة في زيارة إلينا يومياً
ويطلعون على أحدث الإصدارات من الكتب والروايات، فالإقبال على شراء القديم في
تزايد مستمر فمنهم من يريد الإطلاع على تاريخ مصر في حقبة معينة، ومنهم من يرغب في
معرفة الأوضاع السياسية في زمن بعينه، ومنهم من أتى للبحث عن صور تجمع أحد أفراد
عائلته في إحدى المجلات".
وعن مصدر جني تلك الكنوز الورقية القديمة يضيف: "بأن كل قديم من
جرائد ومجلات يأتي إلينا من بعض المكتبات المنزلية الشخصية بعد وفاة صاحبها الذي
ترك موروث ثقافي كبير، ولكن أسرته لا ترغب في الاحتفاظ به، فنأخذها منهم بمبلغ من
المال تم الإتفاق عليـه مسبقاً، وقد تأتي من إحدى المكتبات التي أوشكت على
الإغلاق، أو نحصل عليها من خلال المزادات".
وتابع: "أسعار الصحف القديمة لا يقل عن ألف جنيه، أما المجلات
يصل ثمنها إلى ما يزيد عن ألفين جنيه، ويرجع ارتفاع تكلفتها لوفرة جودتها
واحتوائها على الصور والألوان البارزة والظاهرة، ويزداد شغف الإقبال على المجلات
أكثر من الجرائد لمحتواها الجذاب وبساطتها وصورها، بينما يصل سعر الكتاب إلى عشرة
آلاف جنيه، وهناك العديد من الزوار يأتون باحثين عن الكتب والدوريات والمجلات
القديمة، شغفاً وحباً في اقتناءها ورغبة في التفرد بها، فلا يشغلهم الثمن والجودة،
لكن يستمتعون بالنظر إليها، فالموروث القديم له قيمته وهيبته وجماله".