كتبت: إسراء فتيان
ويارا السيد
ربما التاريخ دائماً ما يضعنا في حالة حرج فنتسأل هل أبطال الأمس
هم بالفعل هكذا أم مجرد "فخ" لنغمض أعيننا عن أشخاص ونلقى
الضوء على البعض، وعلى النقيض هل كل أشرار التاريخ هم هكذا أم مجرد إدعاء كاذب من
كاتب التاريخ، لكننا لسنا هنا من أجل الفصل بينهم أو الحكم على أحدهما، لكن لنحاول
أن نسرد ما حدث بالفعل وما نقله الواقع، فضلًا عن المتغيرات خلال الفترات الأخيرة.
نقلت لنا الدراما المصرية، قصص متشابهة عن "ريا وسكينة"،
وكذا المزيد من التراث المتداول بشأن سفاحتين كانتا يقتلن النساء، من أجل المال،
وتحديدا في فترة الاحتلال الانجليزي، لكن في حي "اللبان" بالإسكندرية، الحي الذي وقعت فيه الأحداث واختلفت الروايات عنه،
كان هناك كلام آخر وزوايا جديدة للقصة.
ريا وسكينة والإسكندرية :
حضرت ريا وسكينة من صعيد مصر، وتحديدا، من محافظة بني سويف إلى
الإسكندرية وعملتا فيها لثلاث سنوات، حيث كانتا تعمل في جمع القطن، كانت ريا تكبر
سكينة بنحو سبع سنوات، تزوّجت ريا من شخص يُدعى حسب الله سعيد مرعي،
وأنجبت "بديعة" وابنها الآخر الذي توفي بعد ولادته بفترة وجيزة، بينما عملت شقيقتها
سكينة في بيت دعارة حتى وقعت في حب أحدهم، ثم تزوجت بمحمد عبد العال الذي كان
جارهم في ذلك الوقت.
بداية القصة :
من الراويات التي نقلت عن ريا وسكينة وكيفية إجراء عملية
الخطف، أن كلا الأختين كانت تقوم بإغراء الضحية بالكلام المعسول حتى
يتمكن الخمر منها وتكون مادة سهلة للقتل، ذلك عن طريق الرجال المساعدين لهم، حيث
كان يتسلل بهدوء وبحركة سريعة ويقوم بلف المنديل من القماش على رقبتها بإحكام ثم
يبدأ بخنقها بشكل سريع حتى تلفظ الضحية أنفاسها الأخيرة، وقتها يتم تجريد الضحية
من كل ما تملك من حلية ومصوغات ذهبية ثم يتم دفنها في نفس المكان الذي تم فيه
عملية القتل وبعدها يتم بيع الحلي وتقسيم ثمنه على المشاركين في الجريمة. ولقد
استطاعت أن تنقل هذه الرواية عدد من الأعمال الدرامية والسينمائية كما أن بعض
الأفلام تم تصوريها في نفس المكان الذي قامت فيه الجريمة، والبعض الأخر أكتفى فقط
بالمعايشة للمكان ذاته، والجدير بالذكر أن الظروف الاقتصادية للحرب العالمية
الأولى ساعدت على ارتفاع معدل البطالة والذي دفعهم من البداية للعمل في الخمور
والدعارة المقننة.
اكتشاف الجريمة :
أول البلاغات
جاءت عن طريق زينب حسن البالغة من العمر 40 عاماً في العام 1920، وهي تشير في
شكواها إلى اختفاء ابنتها "نظلى أبو الليل" البالغة من العمر 25 عاماً
من دون وقوع سرقة في المنزل، كان بلاغ الأمّ يعتمد على الخوف على
أبنتها من سرقة مجوهرتها التي كانت ترتديها، ويعتبر هذا البلاغ هو طرقة الباب
الأولى لكشف جريمة "ريا وسكينة" .
أما
البلاغ الثاني فجاء في منتصف شهر آذار/مارس من العام نفسه، حيث تلقّاه رئيس نيابة
الإسكندرية من محمود مرسي الذي أفاد باختفاء أخته زنوبة، وعلى الرغم من ذِكر صاحب
البلاغ اسمي ريا وسكينة وأنهما كانتا آخر من شوهدتا برفقة أخته، إلا أن السلطات
استبعدتهما من التحقيق.
أما عن البلاغ
الثالث كانت صاحبته فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً شكت فيه من اختفاء والدتها زنوبة
عليوة، وهي بائعة طيور تبلغ من العمر 36 عاماً، الفتاة قالت في بلاغها حينها
أن آخر من تقابل مع والدتها كانتا "ريا وسكينة".
بعد ذلك بفترة
توالت البلاغات التي تعلن اختفاء العديد من النساء، ما أثار حالة من الفزع بين
سكان المدينة، حتى عثر أحد عساكر الدورية صباح 11 كانون الأول/ديسمبر عام 1920 على
بقايا جثة امرأة بالقرب من منزل ريا وسكينة والتي تم اكتشافها عن طريق الصدفة حيث
أنه أشترط مستأجر إيطالي توصيل المياه والمجاري إلى البيت الذي كانت تعيش في
كليهما سبابقاً وأثناء الحفر أنكشف سر ريا وسكينة وتم القبض عليهما.
التحقيقات :
لاحظ أحد
المخبرين انبعاث رائحة بخور قوية من منزل ريا، وبعد سؤال الأخيرة عن السبب قالت
إنها تقوم بذلك من أجل إضاعة رائحة الرجال المخمورين الذين يدخلون للمنزل برفقة
أختها، لكنه لم يقتنع بهذا الكلام، فأمر بتفتيش الغرفة ليلاحظ بأن بلاطها حديث
العهد، وكذلك تصاعد رائحة العفونة من الغرفة، ثم وبعد تفتيشه بقية المنزل عثر على
جثة امرأة، ليقرّر عندها اصطحاب ريا إلى مركز شرطة اللبان.
هناك، اعترفت
ريا بالجرائم بعدما قامت قوات الأمن بالتفتيش تحت بلاط حجرات المنزل، التي
كشفت عن الكثير من جثث النساء، كما عثر الملازم أحمد عبد الله على الكثير من
المصوغات الذهبية التي قدّر سعرها بما يقرب من 120 جنيهاً في منزل المتهم عرابي،
بالإضافة إلى مصوغات بمبالغ مقاربة في منازل بقية المتهمين.
تقول المرويات
الشعبية أيضاً إن أهم الشهود في هذه القضية كانت "بديعة" ابنة ريا، التي
قامت بطلب الأمان حتى لا تنتقم منها خالتها، وحينها شهدت على أن ريا وسكينة قامتا
باستدراج النساء، كما قام الرجال بذبحهن ودفنهن.
في 16
أيار/مايو عام 1921، صدر الحكم على ريا وسكينة وزوجيهما وإثنين من البلطجية اللذين
شاركا في أعمال القتل بالإعدام. كما حكم على حسن علي، وهو الصائغ الذي كان يشتري
مجوهرات الضحايا بالسجن لخمس سنوات، لتكون ريا وسكينة أول إمرأتين يصدر بحقهما
الحكم بالإعدام، بعدما كان الدستور يمنع إعدام النساء.
براءة ريا وسكينة
:
يعتبر الحديث
عن التشكيك في توارث شعبي حول جريمة ما يرفضه المجتمع بثقافته، ويجعله مادة
مذمومة، وربما تتعرض للسخرية حتى وإن كانت يوجد بها شيء من الصحة، وهذا ما وجه
السيناريست "أحمد عاشور" حينما خرج علينا برواية براءة ريا وسكينة
مدعومة بالوثائق التاريخية التي تثبت صحتها وهذا على حسب ما صرح لنا،
حيث أوضح إنه طلبت منه إحدى الشركات الأجنبية في كتابة سيناريو فيلم وثائقي عن
أسوأ 10 نساء في التاريخ، ومنهم ريا وسكينة، بشرط أن يشمل الفيلم قصة جديدة لم
تذكر في السابق، وهكذا ابتدت الرواية التي تم تحويلها لفيلم بالفعل.
أركان القصة :
بداية من المنزل الموجود حالياً تم بناؤه بعد أحداث القضية ذاتها، حيث تم بناؤه عام 1942 بينما أحداث القضية عام 1920 ويمكن العودة لجهة الخاصة بالمساحة لهذا الحي علاوة على أن الأمر تحول إلى سبوبة من قبل المحيطين بالمكان والجدير بالذكر أنه ثبت في أوراق القضية أنهم لم يقوموا بعملية القتل، وتهمتهم كانت "استدراج النساء فقط" من الأسواق.
وتابع أنه بعد
قراءته لورق القضية تكاثرت عنده الشكوك عن حقيقة ما نسب إليهم من عمليات قتل، فبدأ
بجمع خيوط القضية حتى وصل لحقيقة أن ريا وسكينة لم يقوموا بقتل أحد، مشيرًا إلى
أنه اكتشف أن الاحتلال الإنجليزي هو من قام في النهاية بحرق الملجأ الذي كانت
متواجدة فيه “بديعة” الطفلة الوحيدة الشاهدة على القضية.
كما أنه
هناك خلل مابين وجود المستأجر الايطالي واكتشاف الجثث بعدها بأسبوع واحد فقط! كما
إن المحاكمة كانت سرية ولم نرى أي مظاهر لإعدام في أماكن عامة كما كان سابقاً
علاوة على الاجتماعات السرية التي كانت تقام بين المندوب البريطاني والمحقق
فالقضية والتي لم يتم سردها في ورق التحقيقات.
السينما :
ما سنحاول
إظهاره في الفيلم الذي تم الانتهاء من تصويره، ويشارك في بطولته كل من "منة
فضالى وأحمد منير وأشرف مصيلحى ومحسن منصور وياسر على ماهر ولطفي لبيب وعايدة غنيم
وشريف باهر وشمس وحسن عبد الفتاح وأشرف طلبة"، قصة وسيناريو وحوار "أحمد
عاشور"، ومدير تصوير الفيلم "شادى علي"، وإخراج السوري "عبد
القادر الأطرش"، والفيلم يتناول قضية “ريا وسكينة” الحقيقية، عن شاب وفتاة
يعملان في الصحافة، ويقومان بالبحث عن المستندات الأصلية لقضية ريا وسكينة حتى
يتوصلا لشخص فى الإسكندرية عاش في هذه الفترة، وقابل ريا وسكينة، ويسرد لهما القصة
كاملة.